الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد :
سأذكر لكم يا أخواني وأخواتي اليوم الصحابي : ( علي بن أبي طالب رضي الله عنه ) .
فارس أنجبه التاريخ من محراب الإسلام .
المتقلب في فراش الإيمان .
كانت منزلته من النبي صلى الله عليه وسلم كمنزلة هارون من موسى .
أول تلميذ في مدرسة الإسلام .
استنشق الإيمان صبيا ، وتنفس عبير الوحي غضا ، له أخلاق كأخلاق الأنبياء ، إنه : عليّ بن أبي طالب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وصهره ، رابع الخلفاء الراشدين ، وأحد العشرة المبشرين بالجنة .
ولد في الكعبة قبل البعثة بعشر سنين ، عاش طفولته بعيدا عن العبث ، فلم يسقط في وحل الوثنية ، ولم تكن له هفوة ، تفتحت عيناه على نور الإيمان .
شبّ في حجر النبي صلى الله عليه وسلم وترعرع في بيت النبوة يتفيأ ظلاله تحت جوانح الوحي ، اهتز وجدانه للنبأ العظيم ، فألقى إليه سمعه الصافي ، وطارت أشواقه إلى الله ، نمت أخلاقه الصافية ، وازدادت تألقا على يديه صلى الله عليه وسلم ، كان إسلامه نموذجا عظيما .
أخذ القرآن بنفس مرهفة ، وقلب مدرك ، شبّ معه الإيمان حتى خالط مشاعره ووجدانه ، وملأ فؤاده .
جمعت شخصيته بين مكارم آبائه وشفافية الوحي ، نام في فراش النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة بعزيمة أصلب من الحديد ، وأشمخ من الجبال .
اختاره النبي صلى الله عليه وسلم ليكون أخا له ، وثب صباه ليقارع الخطوب ، لم تلن له قناة ، وازدادت مع التحدي شموخا .
شهد المشاهد كلها ، فكان كالليث ، ضم اللواء بين يديه في أكثر المعارك ، خرّت تحت ضربات سيفه الحصون ، لم يبارز أحدا إلا قهره ، كم كشف الكرب بسيفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان جميل الصورة ، مليح السيرة .
رغم أنه خليفة دانت له الأقطار إلا أنه أخفى جسده في ثياب بسيطة ، ترصعت بالرقع ، قضي حياته في الدنيا بثوب واحد لا ثاني له ، لا يتركه حتى تفارق خيوطه الحياة .
من شدة البرد ، جلس علي رضي الله عنه يرتعد وعليه قطيفة قديمة بالية !!
فقال رجل : يا أمير المؤمنين إن الله قد جعل لك ولأهل بيتك في هذا المال نصيبا ، وأنت تصنع بنفسك ما تصنع ، ألا ترى أطرافك وهي ترتعش من البرد ؟!
فقال علي رضي الله عنه : والله ما آخذ من أموالكم شيئا ، وهذه القطيفة البالية التي أرتديها هي التي خرجت بها من الدينة .
لم يستطع بريق الذهب ، ولا رنين الدنانير أن يقتحمها قلبه ، عاش زاهدا ، ومات فقيرا .
هام الإمام علي رضي الله عنه على وجهه في سوق المدينة ، يريد بيع سيفه ، يقول بصوت ضعيف : من يشتري مني هذا السيف ؟ ، فوالذي فلق الحبة لطالما كشفت به الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان عندي ثمن إزار ما بعته .
وقال الحسن رضي الله عنه لأبنه : ما ترك من صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم من عطائه أراد أن يشتري بها خادما لأهله .
اقتحم مجلس علي بن أبي طالب رضي الله عنه رجل نحيل البدن ، ناتئ الجبهة غائر العينين ، بدت عليه علامات الفقر والحاجة ، دسّ جسده في ثوب منسوج من الرقع ، فقال بشفتين مرتعشتين كادتا تسقطان حياء : يا أمير المؤمنين ، أني لي إليك حاجة ، قد رفعتها إلى الله قبل أن أرفعها إليك ، فإن أنت قضيتها حمدت الله وشكرتك ، وإن لم تقضها حمدت الله وعذرتك .
فقال علي رضي الله عنه بحياء وأدب : اكتب على الأرض فإني أكره أن أرى ذل السؤال في وجهك !!
فكتب الرجل : إني محتاج .
فصاح علي بن أبي طالب رضي الله عنه : علّي بحلّة ، فأخذها الرجل ولبسها ، وأعطاه مائة دينار .
عند المنبر جلس ابن عباس رضي الله عنه عنهما متوشحا رداءه يردد فؤاده آيات من الذكر الحكيم .
فجاء رجل سائلا : يا ابن عباس فيمن نزل قول الله تعالى ( الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية )
فقال : نزلت في علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان عنده أربع دراهم ، فأنفق بالليل واحدا ، وبالنهار واحدا ، وفي السر واحدا ، وفي العلانية واحدا .
جاء قنبر مولى الإمام علي رضي الله عنه يسبق الريح ثم قال ناصحا : يا أمير المؤمنين إنك رجل لا تبقي شيئا ، وإن لأهل مال بيتك نصيبا ، وقد خبأت لك خبيئة .
قال علي رضي الله عنه مندهشا : وما هي ؟!
قال قنبر : اتبعني .
فسارا حتى دخلا بيتا صغيرا فيه كساء مخيط على هيئة الجوال الكبير ملقى أسفل جدار ، ففتحه علي رضي الله عنه فوجده مملوءا بآنية الذهب والفضة .
فنظر إلى قنبر بغيظ ثم قال له : ثكلتك أمك !! لقد أردت أن تدخل بيتي نارا عظيمة ؟! ثم مضى يزفها ويقسمها على الناس ، فلما انتهى تمتم : يا دنيا غرّي غيري .
قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي غيلة في مؤامرة 17 من رمضان المشهورة سنة 40 للهجرة ، وعمره 63 سنة ، ومدة حكمه 4 سنين ، و9 أشهر و8 أيام رضي الله عنه وأرضاه .
وهذا والله أعلم وصلي اللهم على محمد وعلى آله وصحبة أجمعين
ملاحظة : هذا العمل من جهدي أنا لكم يا أخواني وأخواتي في الله وأسال الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال وأن يحفظنا من كل شر ( العمل خاص بي أهديه لكم وشــــــكــــراًَ)