الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد :
سأذكر لكم يا أخواني وأخواتي اليوم الصحابي : ( عمر بن الخطاب رضي الله عنه ) .
كانت درّته أهيب من سيف الملوك .
أنجبته البشرية وأدّبه الإسلام .
أعدل الناس بعد الأنبياء .
أول من يجوع إذا جاع الناس وآخر من يشبع إذا شبعوا .
وقف التاريخ عنده طويلا ، وراح يروي على الأيام عدله وزهده .. رجع بالدنيا إلى عصر الوحي .. إنه :
أبو حفص عمر بن الخطاب ، أمير المؤمنين ، وثاني الخلفاء الراشدين رضي الله عنه ، ولد بعد عام الفيل بثلاث عشر سنة ، وطار فؤاده إلى واحة الإيمان قبل الهجرة ، كان إسلاما فتحًا ، وهجرته نصراً ، وإمارته رحمه .
أقلى عمر رضي الله عنه بفلذة قلبه في نبع الإيمان ، تلقى الآيات بنفس مرهفة .
جاء إسلامه صيحة قوية هزّت أركان الشرك ، كان الإسلام مستضعفاً فبات بإيمانه عزيزاً ، هاجر إلى المدينة في قوّة ، وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم المشاهد .
غشيه موكب الخلافة بعد أبي بكر رضي الله عنهما ، فأسرج مصباح العدل ، وأجاد إستخدام الشكائم ، لم تستطع الجريمة أن تسف عن وجهها في وجوده ، راح يتفوق على ما عند البشر من طاقات ، ومضت حياته موكبا موصولاً .
لم يكن زهده هروباً من تبعات الحياة ، بل زهد أضاءه إيمان احتل الجوانح .
حرم نفسه من الطيبات ، لأنه خاف أن يكون عاجزاً عن شكرها .
جاء إسلامه ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال : اللهم أعزّ الإسلام بأحب العمرين إليك .
فكأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا ، والله اصطفا واختار ابن الخطاب رضي الله عنه .
وقال صلى الله عليه وسلم يمدحه : لو كان من بعدي نبي لكان عمر .
صرخت الدنيا تحت وطأة ورعه ، فكل شئ فيه يعزف لحن الورع ، هرب بورع إلى السعادة وليس منها .
أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلبن فشربه ، فأعجبه اللبن وأقبل يسأل الذي سقاه : من لك هذا اللبن ؟
فأخبره أنه ورد على ماء ، فإذا غنم من غنم الصدقة يسقون ، فحلبوا لنا من ألبانها ، فجعلته في سقائي هذا .
فاضطرب عمر رضي الله عنه كأن نارا أحرقته ، فدفع أصبعه فاستقاء .
ومرة استسقى يوما فجئ بماء مشوب بالعسل فقال : إنه لطيب لكني أسمع الله عز وجل نعي على قوم بشهوتهم ، فقال : أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها .
فأخاف أن تكون حسناتنا عجلت لنا فلم يشرب منه .
وذات يوم كان عمر رضي الله عنه جالسا فقال : لو نادى منادٍ من السماء : يا أيها الناس إنكم داخلون الجنة كلكم أجمعون إلا رجلاً واحداً لخفت أن أكون أنا هو .
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو خليفة يلبس جبة من صوف مرقوعة بعضها بأدم ، ويطوف بالأسواق وعلى عاتقه الدّرّة يؤدب بها الرعية .
وقال الحسن رضي الله عنه : خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس وهو خليفة ، وعليه إزار فيه اثنتا عشرة رقعة .
وقال أنس رضي الله عنه : رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يومئذ أمير المؤمنين ، وقد رقع بين كتفيه برقاع ثلاث وضع بعضها على بعض .
استقر بداخله خوف من الدنيا يطحن النفوس ، ويسفك الدموع من العيون ، يرتعد كالعصفور الذي دهمه إعصار .. وكلما تراءت له مباهجها صدها .
كان البكاء غذاء قلبه ، والماء الذي يغسل به فؤاده .. لو فارق البكاء عينيه أحسّ بوجع في ضميره .. كان يبكي خوفاً وشوقاً .
وكان رضي الله عنه على خديه خطين أسودين من كثرة البكاء وجريان الدموع من عينيه .
وصلى يوما الصبح ، فقرأ سورة يوسف ، فغشيه البكاء ، وطوقه حتى سمع نشيجه ونحيبه من يصلي في آخر الصف وهو يردد : إنما أشكوا بثّي وحزني إلى الله .
سافرت أمواله في موكب الإنفاق ، وراحت تحطُّ رحالها في حجور الفقراء .
أصاب عمر بخيبر أرضاً ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : أصبت أرضاً لم أُصب مالاً قط أنفس منه فكيف تأمرني به ؟
فقال صلى الله عليه وسلم : إن شئت حبست أصلها أو تصدقت بها .
فتصدق عمر بن الخطاب رضي الله عنه بها على فقراء المسلمين .
نفض عمر رضي الله عنه غبار النوم عن كاهله ، وراح يتفقد الرعية .
فإذا بامرأة تحمل على ظهرها قربة ، تخترق من الظلام بأقدام حافية .
سألها عمر رضي الله عنه عن شأنها فأخبرته أنها صاحبة عيال وليس عندها خادم ، فتخرج بالليل تسقيهم الماء ، وتكره أن تخرج بالنهار خوفاً عليهم .
فرقّ فؤاد عمر رضي الله عنه لحالها ، وحمل عنها القربة حتى بلغ منزلها .
ثم قال لها : اغد على عمر غدوة يأمر لك بخادم .
قالت : لا أصل إليه .
قال : إنك ستجدينه إن شاء الله .
فغدت عليه فإذا هي به ، فعرفته فولت هاربة ، فأمر لها بخادم ونفقة ، وأرسلها في إثرها .
توفي رضي الله عنه بطعنة غادرة من عدو الله أبي لؤلؤة المجوسي لعنه الله سنة 23هجرة وهو يصلي الفجر وعمره 63 سنة ، وكانت مدة حكمه 10 سنين و5 أشهر و28يوماً رضي الله عنه .
وهذا والله أعلم وصلي اللهم على محمد وعلى آله وصحبة أجمعين
ملاحظة : هذا العمل من جهدي أنا لكم يا أخواني وأخواتي في الله وأسال الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال وأن يحفظنا من كل شر ( العمل خاص بي أهديه لكم وشــــــكــــراًَ)