معاناة اُنثى وَ مَدِينَــة ..::
قصـة من خيــالي ،،
ربمـا كنتُ امشي كثيراً .. كثيراً ،،
بل اُسارعُ من خطواتي..
كالذئبِ الذي يلهثُ وراء فريسةْ..
واضحكُ قليلاً .. قليلاً
وابكي كثيراً .. كثيراً،،
لأن البكـاءَ في بلدِ الاشقيـاءِ طقوسْ..
وَ كأنمـا كان القدرُ ينتظرني..
مصباحٌ مضيئ ، وشارعٌ خالٍ..
ما يحتاجه العاشق لكي ينسجَ خيوط ذكرياتِ الحب
ولكي يستحضرَ رعشةِ الذكرياتِ في الماضي البعيد..!
كـانا ينتظرانني هنـاكْ..
هنـــــاكْ..
في ازقةِ شوارعهـا
وعلى اعتابِ الدروجْ
مدينتي..!
يا الهي ماذا حدثْ..!
وكأن الصدمة ابكت امطار عيوني
وروت رقةَ خدي
حتى بللت ثيابي ،
ما بتُّ اعرفُ اهي دموعي !
ام ، امطـارُ رذاذ
بلا .. امطـارُ رذاذ
يحطُّ على شعري المخملي
وكأن المطرَ يعشقُ خمرةَ ريقهـا
ارضُ مدينتي..!
بتُّ اقنعُ نفسي
وكأن نفسي لعبةً
اسكتُ الطفل بها كي يلهو..
ما زلتُ اتابع
مشيتُ قليلاً .. قليلاً
لكي اتمعن بما حدث
وكان سربُ الحمامِ يحطُّ على كتفي من يديهــا
مدينتي ..
قلتُ اقبلُ جبينهـا ..
فمالتْ عبيّ باهدابهـا ومشينـا معاً
وبكيتُ كثيراً .. كثيراً
لأن البكاءَ في زمنِ الحب جنونٌ وعربدة..!
هكذا هو المبدأ
تابعتُ مسيري
في ذاك الشارع الخالِ
وكان المطر يداعبُ اروقةَ المكان
تك ، تك حباتُ مطـرْ
تطرقُ زجاج النافذةِ المكسورْ..
وريحٌ هوجـاءْ كأنمـا تيقظُ ذاكرتي
يا الهي اودُّ تنسيل ذكراهم من عُرى ذاكرتي
شئٌ مـا لفت نظري
مفكرتي الصغيرة !
كانت بين ضلوع الخراب
وكان الغبار يعانق السطور
ورائحةُ (الارهـابِ) تمازجت مع رائحةِ غبار الرياح
صفحة فتحتها رياحُ فكري
تـاريخ
25من تشرين الثاني
تاريخُ مولدي
يا الهي ما الذي كرر قصة ذلكَ التاريخ
وكأن اليوم يوم مماتي
وليس يوم ولادتي
ركضتُ لالتقط ما تبقى من مفكرتي الصغيرة
نفضتُ الغبار
اتلمس الصفحات
بل الصفحة ، صفحة ذاك التاريخ
ابتسمتُ ابتسامة خفيفة
ملؤهـا الخوف والبرد
الجوع ، والعطش .. والذكريات!
لم اعرف ما كانت تلك الابتسامة
فقط تابعت
ما حدث في ذاك التاريخ
قرأت ما كان مكتوب في مفكرتي
كانت امي تداعبني بأناملها الذهيبة
وتقبّلُني
كانت خمرة ريقها كـَ نقاءِ الثلجْ..
وتقرأُ المعوذتين
وعلّقتْ حول رقبتي بخيط اخضر كالعجائزِ
مفتاحَ بيتنـا !
نعم المفتـاحْ..!
قُطعت سلسلةُ افكاري
وضعتُ يدي حولَ رقبتي
لم اجد المفتاح!
اغلقتُ المفكرة بسرعة
وتابعتُ المشي قليلاً
لكي ابحث عنه في كل شوارعِ المدينة الضائعة
كان الخراب يملأ المكان
والرياحُ تداعبُ الغبار
وتزيله عن لعبةِ طفلْ
بروازُ شهادة تفوق في مدرستي
اصبح مكسوراً
وهناك كتبي الجامعية
ومدفأة العم ابو زينب
كلهـا احتواها الغبار بـِ رائحةِ غريبة!
اتأمل في تلك الاشياء
الا انني شهقتُ شهقة ملؤها الحسرة
لكي اتابع البحث عن المفتاح
استذكرت المفتاح من جديد
بحثتُ هنا وهناك
بين اروقة المكان
وازقة الحارات
ازلتُ هذا ، وتلك اللعبة
والثياب القديمة .. كل شئ
الى ان اسعفتني ذاكرتي لتخبرني مكان المفتاح!
العنبر..!
الذي اشتريته من العم ابو زينب صاحب المدفأة
ركضتُ نحو دكاناته المتواضعة!
ووجدتُ المفتاح هناكْ
تذكرتُ تلك الحادثة
ذهبتُ لكي اشتري العنبر لطفل صغير كان يبكي في حنايا الشوارع
عندها باغتنا العدو
فوقعتُ على الارض وانا اركض
ركضتُ خائفة ، ركضت وركضت
فوقع المفتاح من حول عنقي
ايقظت ذاكرتي تلك الحادثة
بتُّ ابكي كثيراً ، كثيراً
كان الحزن يعتصر قلبي
وكان بكائي وكأنه حمم تخرجُ من البراكين
بكيتُ وبكيتْ..
ثم تعبتُ من كثرةِ البكاء
صمتُّ وانا استذكرُ ما حدث
وما زلتُ جالسة على ارضِ المطرْ..!
واستمعُ الى فوضى الصمتْ..!
سمعتُ صوت يأتي من بعيـــد
سارعتني اقدامي بالوقوف
وقمتُ مسرعة
اقنعتُ نفسي انني وجدتُ بصيص امل في تلك اللحظة
مسحتُ دموعي بـِ يداي التي لونهما غبار المكان
واصبحتا مجعدتـان كـَ يديْ عجوزٍ حنون!
ركضتُ الى مكان الصوت
كلما اقتربتُ من الصوت بَعُدَ الصوت اكثر
لم استسلم .. تابعت لاعرف مصدر الصوت
الى ان اقتربت اكثر
ووصلتْ..
استحضرتني تلك اللعبة!
كان صوتها يعانق فكري
كما تعانقُ الريشة حبرها الاخضر
لعبة طفلٍ صغيرْ
كانت (مرماةً) كـَ فردةٍ حذاء قديم
انحنيتُ لالتقطهـا
ولمعت بقعة دم احمر في الارض
وانداحت بـِ رياحِ البكـاء
تأملتُ في تلك البقعة
واخذتُ اللعبة
ووضعتها على اذني
لاستمع لـِ مناغاةِ الطفلِ بهـا حين يمسكهـا
ثم اطفأتهـا
لكي لا ينخدر قلبي بـِ وجع المأساة
ولكي تذوبَ ذكرياتْ
وتتمايل على ارصفة مخيلتي
بل تصبح هشة..
ويتمزق ثوبها حين تريد ارتداءَ ذاكرتي
وضعتُ اللعبة في جيبِ معطفي الشتوي المغبَّرْ
وشعري مبتلاً بـِ حباتِ المطرْ
والرياحُ تتبخترُ امامي وخلفي
ومشيتُ كثيــراً على ارصفةِ مدينتي
وبكيتُ كثيــرا..!