فلسطينيو العراق
شهادة حية حول أوضاع اللاجئين الفلسطينيين على الحدود العراقية- السورية
في شهر يونيو/حزيران من العام الماضي وتحديداً في العاشر منه كتبت وبشكل مطول تحت عنوان "اخوة لكم يستصرخونكم فهل من مجيب" مركزاً الضوء على عملية بشعة كان ولازال أبناء شعبنا في العراق يتعرضون لها بشكل يومي على يد عصابات طائفية مجرمة وجدت في فلسطينيي العراق هدفاً وغاية لتفريغ أحقادها وأمراضها.
يومها كتبت ووجهت نداء لمن يصنعون القرار ولكل حر شريف وقلت: " أخوة لنا في الدم والمصير يتعرضون للإضطهاد والقهر والتعسف تحت سمع وبصر العالم، ويوجهون النداء تلو النداء لإغاثتهم ولا من مجيب، وكأنهم ليسوا بشر، بل وكأنهم ليسوا من غير البشر، فلو كانت نداءات الإستغاثة لإنقاذ حديقة *****ات، أو حيتان جنحت للشاطيء، أو قرود لا تجد مأوى، لتحرك العالم بمؤسساته وهيئاته، وخصصت البرامج، وانطلقت حملات التبرع والتطوع لإنقاذهم، أما أن يكون المستغيث فلسطيني مستضعف يعاني الأمرين، ويعاقب لذنب لم يقترفه، بأيدي أعتى قوة غاشمة وأتباعها، فهذا أمر لا يستدعي التوقف عنده أو الحديث عنه!
أخوة وأخوات لنا في العراق الجريح ذنبهم الوحيد أنهم من فلسطين وأنهم عاشوا في العراق لسنوات طوال كان ضمنها مرحلة ما قبل الاحتلال، ليعاقبوا أكثر من مرة مع كل حكم جديد في العراق باعتبارهم الحلقة الأضعف، وها هو الآن التاريخ يعيد نفسه بصورة أبشع وبوجه أقبح، دون أن يحرك أي مسؤول فلسطيني كبير أو صغير ساكناً أو ينبس ببنت شفه، وحتى أصحاب الأقلام الحرة جفت أقلامهم وكأنهم اعتادوا أخبار المهانة فسكتوا عما يجري بدلاً من فضح الممارسات التعسفية بحق أبناء شعبنا، اعتادوها لأنها تتكرر دائماً مع كل مأساة تمر بها أمتنا العربية يدفع ثمنها الفلسطيني دموعاً ودماء".
استجاب العديد من كتاب وصحفيون واعلاميون، ورصدت ردات فعل متواضعة عن المجلس التشريعي الفلسطيني في حينها وأخرى عن الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وبدأت القضية في التفاعل والظهور للرأي العام، ورصدت شخصياً وخلال خمسة أيام ما كان بمثابة حملة اعلامية مركزة لإبراز تلك المعاناة أذكر منها:
1) التشريعي يستنكر ممارسات ترتكب ضد أبناء شعبنا الأبرياء في العراق 13/06/2005
2) السيد فضل الله يفتي بحرمة الاعتداء على فلسطينيي العراق 14/06/2005
3) روحي فتوح يوجه رسائل عاجلةً لتأمين الحماية اللازمة لأبناء شعبنا في العراق 15/06/2005
4) الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية – المكتب الاعلامي تعمم التقرير وتطالب بايجاد حل لمشكلة اللاجئين في العراق 15/06/2005
5) العديد من الصحف والمواقع الاعلامية والأحزاب العربية تنشر التقرير وتبرز معاناة أبناء الشعب الفلسطيني في العراق
6) ردود فعل واضحة وغاضبة مما يجري طوال الأسبوع اللاحق وتحديد جلسة للتشريعي يوم 22/06/2005 لمناقشة الأوضاع المأساوية لللاجئين الفلسطينيين في العراق
لكن وبكل أسف أجهضت تلك المحاولات المبكرة من قبل عزام الأحمد تحديداً والذي كان يشغل منصب سفير فلسطين في العراق ابان عهد الرئيس العراقي صدام حسين، رافضاً تقرير موثق حول أوضاع الفلسطينيين في العراق ومخيم الرويشد على الحدود الأردنية، قدمته لجنة شؤون اللاجئين بالمجلس التشريعي وقرأته النائبة جميلة صيدم رئيسة اللجنة في جلسة التشريعي يوم 22/06/2006.
في ذلك اليوم وقف عزام الأحمد معترضاً، واحتج من خلال "خبرته" كسفير هناك، ومن خلال اتصالاته مع الحكومة العراقية المنصبة في بغداد، وليجهض كل ما من شأنه رفع المعاناة عن أبناء الشعب الفلسطيني، رافضاً كل التقارير ومعتبراً ما يجري حوادث فردية فقال:
· أن التقرير الذي قدم من لجنة اللاجئين غير دقيق وأن اللاجئين لم يتعرضوا لأي عدوان بشكل مباشر بصفتهم فلسطينيين، وأن هذه الاعتداءات جاءت في ظل العدوان الواقع على الشعب العراقي عموما.
· أن الحكومة العراقية أكدت وبمذكرة خطية بحوزتي أنها ملتزمة بكافة القوانين التي كانت مطبقة على اللاجئين الفلسطينيين في السابق، باستثناء قضية الحصول على الجنسية
· ليس من الضرورة إعطاء صورة مأساوية وغير واقعية عن أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في العراق، لأن ما حدث لهم عبارة عن أعمال فردية قامت بها فئات هامشية، بهدف تحقيق مصالح شخصية مثل السيطرة على البيوت التي يسكون فيها
· اعتقلت قوات الاحتلال منذ دخولها إلى العراق 25 فلسطينيا فقط، بينهم ثلاثة طلاب قدموا للدراسة في العراق، تم إطلاق سراح ثمانية منهم، وجاءت هذه الاعتقالات بحجة ارتباطهم بالمقاومة العراقية وليس لأنهم فلسطينيون.
وبعد نقاش مستفيض لهذا التقرير تقرر تأجيل البت فيه إلى يوم 23 حزيران 2005، على أن يسبق جلسة المجلس اجتماع بين لجنة شؤون اللاجئين والنائب عزام الأحمد لدراسة التقرير المقدم، واتخاذ قرار بخصوص عقد جلسة سرية أو علنية لمناقشة موضوع اللاجئين الفلسطينيين في العراق، ووضع التقرير على الرف وطواه النسيان تماماً كما أراد له عزام الأحمد الذي يمثل اليوم كتلة فتح البرلمانية في المجلس التشريعي.
المجموعة الأولى
شجع هذا الموقف المتهاون المتخاذل عصابات الاجرام في العراق على الاستمرار في جرائمها، حتى وصل الحال حداً لا يطاق من تهديد وتهجير واختطاف وقتل، مما فاقم الأوضاع سوءاً واضطرت عائلات كثيرة من اللاجئين الفلسطينيين لترك منازلها والنزوح بحثاً عن ملاذ آمن داخل العراق أو خارجه.
وللتدليل على حجم المعاناة التي انكر وجودها عزام الأحمد الذي لا أملك تفسيراً لموقفه وموقف قيادته حتى اللحظة، ولا لمواقفهم الأخرى المتتالية، أنقل جانباً من المأساة الموثقة عام 2003 والتي تثبت زيف ادعاء الأحمد وقيادته عام 2005، ومن مصادر الأحمد وقيادة أوسلو، ناهيك عن المنظمات الدولية الأخرى، حيث أنه وتبعاً لمكتب منظمة التحرير الفلسطينية في بغداد، فقد تعرض نحو 344 أسرة فلسطينية في بغداد تضم 1612 فرداً للطرد أو لمغادرة منازلها قسراً بين 9 أبريل/نيسان و7 مايو/أيار 2003. وقامت جمعية الهلال الأحمر العراقية، وغيرها من المنظمات الإنسانية، بتأمين إقامة مؤقتة لكثيرٍ من العائلات في مركزٍ مؤقت في نادي حيفا الرياضي بحي البلديات ببغداد. وكان هذا النادي يوفر في 7 مايو/أيار 2003 إقامةً مؤقتة لحوالي 107 أسر تضم نحو 500 فرداً، وذلك في خيامٍ قدمتها جمعية الهلال الأحمر العراقية ونصبت في ملعب كرة القدم بالنادي. وبحلول نوفمبر/تشرين الثاني 2003، بلغ عدد الفلسطينيين المشردين المقيمين في نادي حيفا الرياضي حوالي 1500 شخصاً يسكنون في 400 خيمة!
كان نادي حيفا الرياضي المخيم الأول للعائلات الفلسطينية، وتبعته مخيمات أخرى في الرويشد على الحدود الأردنية، وبعدها في منطقة الرمادي، ومناطق أخرى متفرقة في العراق، وصولاً للحدود السورية التي شهدت تدفق أعداد متزايدة من اللاجئين الفلسطينيين في العراق.
المجموعة الثانية
أدت الهجمات التي استهدفت اللاجئين الفلسطينيين في العراق عام 2003 إلى تشريد الآلاف منهم داخلياً، إضافةً إلى فرار المئات إلى الأردن، وقد أغلق الأردن حدوده في البداية، ثم سمح بدخول عدة مئات منهم إلى مخيم الرويشد المعزول القاحل الذي يقع على مسافة 85 كم داخل الحدود الأردنية، وهو مخيم يدار من قبل الهيئة الخيرية الهاشمية والمفوضية السامية للاجئين منذ 15 ابريل 2003 ،أما بقية الفلسطينيين فظلوا أكثر من سنتين في مخيم الكرامة الذي لا يقل قسوةً والواقع داخل المنطقة العازلة على الحدود العراقية الأردنية، إلى أن قامت السلطات الأردنية بإغلاقه عام 2005 ونقلهم إلى مخيم الرويشد. وخلال السنوات الثلاث الماضية، كان عدة مئاتٍ من الفلسطينيين بمثابة سجناء في مخيم الرويشد
بلغة الأرقام وبعد أشهر من غزو العراق وافق الأردن على استقبال 386 فلسطينيا متزوجا من أردنيات ولكنه لم يقبل بقية الفئات الأخرى، في حين فضل قرابة 250 منهم العودة إلى الوضع الخطير الذي كانوا يعيشونه في العراق على البقاء في المخيم دون بارقة أمل بإيجاد حلٍّ لمحنتهم، وبقي 280 فلسطينياً آخرون يواجهون مصيراً مجهولاً بعد رفض الدول العربية استقبالهم رغم أنهم يحملون أوراقاً ثبوتية.
رغم كل المعارضات والاحتجاجات فقد تم الاتفاق هذا الشهر على ترحيل من تبقى في مخيم الرويشد إلى كندا وعلى مراحل طبقاً لاتفاق أبرمته الحكومة الأردنية مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
المجموعة الثالثة
وصلت مجموعة أخرى من اللاجئين الفلسطينيين في العراق يناهز عددها 200 شخصاً وبقيت عالقةً على الجانب العراقي من الحدود مع الأردن منذ مارس/آذار حتى مايو/أيار 2006، بعد أن رفض الأردن إدخالهم وقامت قوات حرس الحدود العراقية بإعادتهم قسراً إلى الأراضي العراقية، وعلى إثر طلبٍ قدمه وزير خارجية السلطة الفلسطينية، سمحت سوريا لهؤلاء اللاجئين الفلسطينيين بدخول أراضيها بتاريخ 10/05/2006 واستقروا في مخيم الهول في محافظة الحسكة شمال سوريا، ثم عادت سوريا فأغلقت حدودها بعد تزايد أعداد الفارين من جحيم العراق.
المجموعة الرابعة
مع بداية فصل الصيف لعام 2006، خرجت أعداد آخرى من اللاجئين بعد تزايد عمليات القتل والخطف والتهديد والتهجير القسري من منازلهم والاعتقال العشوائي ، ليصلوا إلى الحدود العراقية السورية أملاً في اجتياز تلك الحدود كما حدث مع المجموعة السابقة التي استقرت بمخيم الهول، وهو تماماً ما كانت تخشاه السلطات السورية وتوقعته وبسببه أغلقت الحدود حتى يتم تسوية أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في العراق من قبل الهيئات المختصة والمسؤولين في الدوائر الفلسطينية المختلفة.
استقر هؤلاء ولحق بهم آخرون في المنطقة العازلة على الحدود السورية العراقية وأطلق على تجمعهم مخيم التنف، ووصل عدد المقيمين في هذا المخيم ما يزيد عن 350 فرداً جلهم من النساء والأطفال، في ظروف معيشية بالغة الصعوبة، وافتقار لأبسط مقومات الحياة وهو ما سأستعرضه بالتفصيل.