وعد الله تعالى في كتابه العزيز هذه الأمة بالاستخلاف والتمكين في الأرض، ولكن الوضع الحالي لهذه الأمة هو أسوأ وضع مر بها في التاريخ، على الرغم من أن المسلمين اليوم أكثر من مليار ونصف المليار وينتشرون في مختلف قارات الأرض، ولكنهم غثاء كغثاء السيل ولم يحدث أن تكالب عليهم الأعداء بمثل هذه الضراوة التي تكالبوا بها عليهم في الوقت الحاضر، يذبحون ويقتلون ويشردون من أرضهم ويحجز على أموالهم لحساب أعدائهم وتنتقص أوطانهم مرة بعد مرة، وتفتت وحدتهم وتقسم الدولة إلى دويلات، ونرى بأم أعيننا الهزيمة تلو الهزيمة ونشعر بالمهانة من جراء ما حدث على يد فئة قليلة فاسدة، والفقر والجهل والمرض يتفشى على الرغم من أن تربته الطاهرة تحوي اكبر ثروات العالم على الإطلاق، والمسلمون أفقر أهل الأرض وأكثرهم تأخرا من جميع الميادين، فهل تخلى الله عن هذه الأمة؟ وما الذي تغير؟ وكيف حدث ذلك؟ وما أسبابه؟
لم يتخل الله عن هذه الأمة وحاشا لله أن يخلف وعده ولا يتحقق، إنما الذي تغير هو وضع هذه الأمة من ربها ومن كتابها، فالله تعالى وضع شرطا واضحا مقابل الاستخلاف والتمكين والتأمين، وهو 'يعبدونني ولا يشركون بي شيئا' فأين نحن من هذا الشرط؟ وأين نحن من الالتزام بأمر الله وتحكيم شريعته؟ لقد أعرضنا عن القرآن الكريم إعراضا فلم نعد نستخدم منه الدساتير والقوانين التي تحكمنا ولم نعد نستمد منه مناهج التربية والأخلاق والأفكار وأنماط السلوك، وإنما وجهتنا الشرق أو الغرب فكيف نطمح أن ينصرنا الله ونحن معرضون عن كتابه وكيف يمكن لنا في الأرض ونحن مخالفون لشرطه؟ فسنة الله لا تتبدل ولا تتغير ولا تحابي أحدا، فالله تعالى لا يعطي امة التمكين في ارض لأنهم من ذرية متميزة بل لا بد أن يكونوا مؤمنين فإذا تخلت عن شرط الإيمان الصحيح فلا ينفعها ما كان عليه آباؤها وأجدادها فلا خلاص لنا مما نحن فيه إلا بالرجوع إلى ربنا، فما بين أيدينا خير من أي منهج بشري، والتشريع السماوي أكمل وأفضل تشريع، ومنهج التربية الإسلامية كفيل بإنشاء الإنسان الصالح والمدينة الفاضلة