[center]1- انتهت ولاية الرئيس أميل لحود رئيس الجمهورية اللبنانية في 23/9/2004. لكن مجلس النواب الواقع تحت النفوذ السوري مدّد ولاية الرئيس لحود ثلاث سنوات رغم معارضة كثيرين ممّن كانوا معروفين بولائهم للنظام السوري، وكان في طليعة هؤلاء الرئيس رفيق الحريري، وكان يومذاك رئيساً للحكومة، وقد صرَّح علناً أنه (يكسر يده ولا يوقّع مرسوم التمديد للرئيس لحود) لكنّه عندما تبلّغ الموقف السوري وقّع المرسوم، وقال: لا أريد أن ينكسر القرار السوري في لبنان. وتمّ التمديد ثلاث سنوات تنتهي في 23/9/2007.
2- اغتيل الرئيس رفيق الحريري يوم 14/2/2005 (بعد حوالي أربعة أشهر من التمديد) وتوجّه الاتهام الى سوريا بشكل عفوي لأنّ النظام الأمني المسيطر الاتهام لاسد ووافق على لبنان في ذلك الحين كان معروفاً بدقّته وصرامته وإحاطته، ولا يعقل أن تحدث مثل هذه الجريمة التي تحتاج إلى شبكة كبيرة من المتعاملين، دون ان يكون فاعلاً أو مشاركاً أو متستراً على أقلّ تقدير.
وطلبت الحكومة اللبنانية تحقيقاً دولياً لكشف الفاعلين، ثمّ طلبت إنشاء محكمة دولية لمحاكمتهم، رغم اعتراض سورية على ذلك، خوفاً من تسييس المحاكمة واتهام النظام السوري بالوقوف وراءها.
وأقدم وزراء حزب الله وحركة أمل على الانسحاب من الحكومة احتجاجاً على صدور القرار بدون موافقتهم، وعندما وقع العدوان الصهيوني في تموز 2006 ظهرت وحدة الشعب اللبناني بجميع شرائحه حول المقاومة، وظهر التنسيق الكامل بين الحكومة والمقاومة.
لكن بعد صدّ العدوان عاد الصراع الداخلي للظهور، وبدأت حملة إعلامية وسياسية عنيفة تتّهم الحكومة والأكثرية النيابية أنها كانت متآمرة مع العدو الصهيوني وخاضعة للقرار الأمريكي، بينما كان معروفاً أنّ الحكومة لم تتصرّف إلاّ بموافقة المقاومة، وأنّ قرار قبول وقف إطلاق النار ومجيء القوات الدولية إلى الجنوب تمّ بموافقة حزب الله وحركة أمل،وذلك في مؤتمر صحفي مشترك عقده الرئيسان بري والسنيورة.
3- بدأ الاصطفاف السياسي والتصعيد الإعلامي المتبادل بين الطرفين:
أ- الأكثرية النيابية وهي تضمّ تيار المستقبل أساساً ومعهم وليد جنبلاط وسمير جعجع وكثير من القوى السياسية والزعامات المختلفة.
ب- المعارضة التي تضمّ حزب الله وحركة أمل أساساً، وانضمّ إليها التيار الوطني الحرّ برئاسة العماد ميشال عون، الذي كان من أشدّ الناس مطالبة بنزع سلاح المقاومة عندما كان منفياً في باريس، وهو الذي طالب بمعاقبة سوريا واخراجها من لبنان، لكنّه يريد اليوم إسقاط الحكومة لأهداف شخصية بحتة، ورأى في تحالفه مع المعارضة ما يساعده على تحقيق هدفه في الوصول إلى رئاسة الجمهورية، وفي استرجاع بعض صلاحيات الرئاسة التي انتقلت بموجب اتفاق الطائف إلى مجلس الوزراء. وانضمّ إلى المعارضة بعض الزعماء التقليديين من السنّة الذين هُمّشوا، أو هم معرّضون للتهميش من قبل تيار المستقبل الذي حصد أكثر المقاعد النيابية وتلقى تعاطفاً كبيراً نتيجة مظلوميته باغتيال مؤسسه الرئيس رفيق الحريري، ونتيجة الغضب العارم ضدّ الأجهزة الأمنية عندما كانت سوريا صاحبة القرار في لبنان.
4- تكرّس الانقسام السياسي في لبنان بين هذين التيارين على خلفية مطالب المعارضة وأهدافها المعلنة، وتمحور هذا الانقسام حول مسألتين أساسيتين:
الأولى: المطالبة بنزع سلاح المقاومة، و حزب الله يتّهم الحكومة وقوى الأكثرية بالتواطؤ مع المشروع الصهيوني الأمريكي، من أجل تنفيذ القرار الدولي المتعلّق بنزع سلاح المقاومة، ممّا أدى إلى انعدام الثقة بين الطرفين بشكل كامل، وإلى تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية، وإقفال المجلس النيابي، بحجّة أنّ الحكومة التي ينبغي أن تمثل أمامه غير دستورية، وهو مبرّر غير مقبول، إذ أنّ المجلس وحده صاحب الحقّ في إقالة الحكومة إذا كانت غير دستورية، لكن رئيس المجلس يتعسّف باستعمال سلطته، ويتجاوز صلاحية المجلس بشكل واضح.
الثانية: هي الرغبة بتعديل اتفاق الطائف لإعادة صلاحيات الرئاسة كما كانت، ومن المعلوم أنّ هذه الصلاحيات التي تجعل رئيس الجمهورية صاحب القرار الأول في الدولة، مع أنه غير مسؤول تجاه أحد، وكانت هذه الاشكالية من أسباب الحرب الأهلية السابقة (1975/1990)، وقد أعلن العماد عون، ومعه سليمان فرنجية الركن المسيحي الثاني في المعارضة، وطالبا بتعديل اتفاق الطائف لهذه الجهة.
في المقابل يتسرّب من أركان الشيعة (حزب الله وأمل) وحتى من بعض المسؤولين الإيرانيين رغبتهم في تعديل اتفاق الطائف لإعطائهم حصّة أكبر في الدولة، و أنّهم يطالبون بالمثالثة، بمعنى أن يكون للشيعة الثلث، وللسنّة مع الدروز الثلث، وللمسيحيين الثلث. بينما المعمول به حسب اتفاق الطائف هو المناصفة بين مجموع المسلمين و المسيحيين، ومن المؤكّد أنّ عدد الشيعة لا يزيد عن عدد السنّة حسب آخر الإحصاءات غير الرسمية.
كلّ خلاف في لبنان يتطيّف أو يتمذهب بسرعة
إنّ طبيعة التركيبة الديموغرافية في لبنان، وطبيعة النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية والمذهبية، تجعل أي خلاف في لبنان، سواء كان إدارياً أو اقتصادياً أو رياضياً أو فنياً، يتحوّل بسرعة إلى خلاف طائفي أو مذهبي، ومن باب أولى عندما يكون الخلاف سياسياً، و يتناول قضايا أساسية ً تتعلّق بهوية لبنان، أو نظامه السياسي، أو موقفه من الصراع ضدّ العدو الصهيوني. والمؤسف أنّ التموضع الطائفي في الصراع السياسي الحالي جاء مخالفاً للوضع الطبيعي، ومضراً بالمقاومة، وذلك بسبب المواقف الحادّة التي أعلنها حزب الله ضدّ الحكومة والأكثرية النيابية، حتى ولو ظهرت بعض الممارسات التي تبرّرها،
فإنّ اتهام الحكومة والأكثرية بالعمالة لإسرائيل وأمريكا، لم يقنع جمهور المسلمين السنّة، وشعروا أنّ فيه الكثير من التجني، وتحرّكت الخلفيات المذهبية فأعطت لهذا الخلاف السياسي بعداً أوسع، وكانت النتيجة أن خسرت المقاومة جزءاً كبيراً من رصيدها الشعبي، عندما دخلت في صراع مع أهل بيروت، وبالتحديد مع أهل السنّة منهم، ولم يكن مقنعاً للناس أنّ المقاومة استخدمت سلاحها في الداخل من أجل حماية هذا السلاح، فقد كان ممكناً تحقيق هذا الهدف بوسائل أخرى، كما أنّ مشاركة أطراف من المعارضة ليست جزء من المقاومة، وقد استعملت سلاحها تحت غطاء المقاومة ولإخضاع خصومها السياسيين، أعطت المعركة بعداً سياسياً آخر.
كانت المقاومة تفتقد تأييد جمهور أهل السنّة لمطالبها السياسية المحلية، رغم أنهم كانوا دائماً طليعة المقاومة أو جزء منها، ويتبنونها بالكامل في مواجهة العدو الصهيوني. أما الآن، وفي ضوء ما حدث، فإننا نخشى أن تخسر المقاومة تأييدهم حتى في مجال الصراع ضدّ العدو الصهيوني، هذا ما سعى العدو له باستمرار وفشل، لكنه قد يصبح حقيقة واقعة إذا استمرّ الوجود المسلّح للمقاومة في بيروت.
أرجو أن تكونوا قد استفدتم من الموضوع